التوازن في السياسة الخارجية للمغرب محطات وأضواء

الدكتور عذاب العزيز الهاشمي

تعتبر المملكة المغربية من الدول المؤثرة دوليا على مستوى السياسة الخارجية نظرا لأعتبارات المكانة الهامة التي تتميز بها سواء على صعيد السياسة الأفريقية أو على صعيد منطقة الشرق الأوسط، حيث تميزت السياسة الخارجية المغربية بالتوزان في فهم وإدراك الدور الاستراتيجي للثقافة والمكانية الدينية خاصة في ظل النزاعات بين الأطراف الأقليمية في المنطقة فهي تلقى احترام وتقدير المجتمع الدولي للتوجهات الملكية المغربية في حل الصراعات بما يتناسب مع الرؤية العقلانية المتوازنة و المعتدلة من خلال توجيهات جلالة الملك محمد السادس ابن الحسن في منطق العمل الدبلوماسي وحنكتة السياسية المميزة.

محطات في السياسة الخارجية المغربية

1- ازمة الخليج العربي السابقة

حافظ المغرب على موقف الحياد طوال الأزمة التي استمرت ثلاثة وأربعين شهرا بين حلفائه في مجلس التعاون الخليجي، وعندما فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا على قطر في عام 2017، كان المغرب أمام موازنة دقيقة تجلت في الحفاظ على علاقته مع الدوحة دون معاداة الكتلة السعودية-الإماراتية, وعلى الرغم من التوترات المتقطعة مع هذه الأخيرة، نجح صناع القرار في المملكة في الحفاظ على سياسة محايدة إزاء النزاع وتمكنوا من تعزيز العلاقات مع قطر؛ وقد هدفت هذه السياسة إلى حماية المصالح الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة.

وعلى إثر التقدم المحرز في قمة العلا في يناير 2021 والتوصل إلى حل جزئي للأزمة، من المرجح أن يكسب المغرب كثيرا من الدعم الاقتصادي والدبلوماسي. والأهم من ذلك أن سياسة الرباط الخارجية المستقلة والمحايدة في الخليج قد أثبتت للمجتمع الدولي أنها طرف إقليمي موثوق به، حيث رفض صناع القرار في المغرب، منذ اندلاع أزمة الخليج في عام 2017، الانحياز إلى جانب معين بينما كثفوا الدعوات إلى التوصل لحل، بل وعرضوا التوسط بين دول الخليج. كان هذا الحياد مدفوعا بالمصالح الاقتصادية والدبلوماسية الكبيرة للمغرب في الخليج .

2- المغرب والاتحاد الاوربي

بتاريخ 27 يونيو 2019 أصدر المغرب والاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا إثر انعقاد مجلس الشراكة المغربية الأوروبية خطة الأولويات ومجالات التعاون في السنوات المقبلة، حيث فتحت هذه الدورة المجال لتقوية وتعميق التعاون في مجالات متعددة، يحكم النظام المغربي بقيادة الملك محمد السادس بلداً يفتقر إلى موارد الطاقة ويعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة ونزاعاُ إقليمياً طويل المدى على الصحراء، حيث ويرى المغرب في الاتحاد الأوروبي مصدراً رئيسياً للدعم في مواجهة هذه المشاكل، وهو ما يعطي الاتحاد الأوروبي نفوذاً كبيراً في المغرب – حتى مع مضي البلاد نحو تعزيز موقفها في هذه العلاقة.

يعتمد المغرب على التجارة مع أوروبا ومساعداتها المالية ودعمها الدبلوماسي في قضية الصحراء وهو يكن تقديراً خاصاً لعلاقته مع فرنسا التي تعتبرها الملكية حليفاً ثابتاً لها فللحفاظ على العلاقات التجارية ومواصلة تلقي المساعدات الثنائية من الاتحاد الأوروبي، كان على النظام السياسي المغربي في كثير من الأحيان قبول قيود تجارية وانتقادات لوضعية حقوق الإنسان لديه من بعض الدول الأوروبية، مما دفع هذا الأمر صانعي القرار المغاربة في السنوات الأخيرة إلى تنويع قاعدة دعم البلاد عن طريق تعزيز الروابط مع دول مجلس التعاون الخليجي وإقامة علاقات جديدة مع شركاء غير تقليديين مثل الصين وروسيا.

يعود اعتماد المغرب الاقتصادي على أوروبا إلى وضع الاتحاد الأوروبي الخاص باعتباره شريكاً تجارياً رئيسياً للمملكة وأكبر مصدر للمساعدات الثنائية لها، حيث يُعتبر المغرب أكبر المستفيدين من مساعدات الاتحاد الأوروبي في حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تلقّى المليارات من اليورو من طرف كل من الآلية الأوروبية للجوار والبنك الأوروبي للاستثمار بين العامين 2014 و2017.

كما يستخدم المغرب بصورة متزايدة دوره في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولاسيما إسبانيا، لتعزيز موقفه في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث يكنّ الكثير من المواطنين المغاربة احتراماً شديداً لأوروبا فضلا عن ذلك، يرسم الكثير من الشباب في المغرب صورة مثالية للحياة في أوروبا مما يجعلها وجهة جذب رئيسية للمهاجرين من المغرب.

3- المغرب والقضية الفلسطينية

ارتبط المغرب بعلاقة تاريخية قديمة جداً مع فلسطين؛ حيث كان لها دور مهم في دعم وإسناد قضية فلسطين، ولا يمكن التنازل عنها، ولها حق في تقرير مصيرها وإقامة الدولة على ترابها الوطني، ودعم الاستقلال وحقها الثابت في مواجهة الاحتلال، فعلى المستوى الرسمي شدد الملك المغربي في رسالته إلى الشعب الفلسطيني على محورية قضية القدس ورفض كل مساس بمركزها القانوني والسياسي وضرورة احترام رمزيتها الدينية والحفاظ على هويتها الحضارية العريقة.

وما زال وزير الخارجية المغربي في كثير من المناسبات الدولية يطالب ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بأن تضطلع بمسؤولياتها كاملة للحفاظ على الوضع القانوني والسياسي للقدس وتفادي كل ما من شأنه تأجيج الصراعات والمس بالاستقرار في المنطقة، وجدد دعم المملكة المغربية الثابت وتضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني، ووقوفها إلى جانبه لنيل حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها “القدس الشرقية”، كما أكد حرص دولته على المتابعة الدقيقة لتطورات الوضع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى