الهجرة وجريمة الأرقام ماذا تبقى بعد؟

الدكتور عذاب العزيز الهاشمي

كتب الطيب صالح مقولة كانت قد أعجبتني وهي (“إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة. أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر. ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملا واضحة بخط جريء.”

كما جاء في رواية الروائي العربي”الطيب صالح” عن الإنسان العربي المهاجر للشمال الأوروبي، الإنسان المتفوق والعائد لوطنه العربي ليواجه مصاعب الهوية والغربة النفسية عن بلاده وأهله، أصبح الآن أبطال الهجرة العربية الجدد بلا عودة، وربما بلا هوية، بل إنهم في أحوال كثيرة لا يصلون من الأصل لشواطئ أوروبا، بل يبتلعهم البحر فيموتون على أعتابها أو تحت أسوارها مثل الغزاة المسلمين قديما قبل فتح القسطنطينية

لكن وبرغم أن العالم كله الآن يضج بالمهاجرين واللاجئين الشرعيين وغير الشرعين، حيث يتعدى عدد المهاجرين في العالم الآن 243 مليون شخص؛ أي نحو 3% من سكان العالم إلا أن البلدان العربية تشكل مجالا كبيرا لهذه الظاهرة، فيما يشكل الاتحاد الأوروبي الوجهة الرئيسية للهجرة العربية, نشر استطلاع لآراء الشباب في العالم العربي (شمل 4000 في عمر 18-24) أعاد تسليط الضوء على معضلة الهجرة أظهر أن اثنين من كل خمسة شباب يفكران في الهجرة. وبحسب استطلاع شمل عددا من البلدان العربية أظهر أن 15% من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما كانوا يُحاولون الهجرة في حين أن 27% فكروا فيها لأسباب اقتصادية وبسبب الفساد في بلدانهم, وقال المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي جهاد أزعور في مقال مرفق بدراسة استقصائية شملت 4 آلاف شخص من 17 بلدا أن جائحة كوفيد 19 تجلب حالا من عدم اليقين غير المسبوقة ووجد المسح أن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة التي يرغب معظم الشباب في الدول العربية، العيش فيها، تليها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا, وقد توقع كثير من المستطلعين مزيدا من الاضطرابات، ويرى 86% من ليبيا، وأكثر من النصف من تونس، و40% من فلسطين والجزائر والمغرب  والأردن  وسوريا ولبنان أن عدو الاستقرار يمكن أن يتكرر السنة المقبلة.

40% من المستطلعين يرون أن الدافع للهجرة هو الفساد في بلدانهم، و29% اعتبروا أن تناقص فرص العمل الجيدة هي الحافز إلى الهجرة. تُظهر بيانات البنك الدولي أن بطالة الشباب في الشرق الأوسط تبلغ 27% وهي ضعف المتوسط العالمي في هذا المجال. وجد الاستطلاع أن 87% أعربوا عن مخاوفهم حيال البطالة وأعرب أكثر من نصفهم عن عدم الثقة في قدرة الحكومة على التعامل مع هذه القضية.

وفي الاستطلاع ان نحو 42٪ من الشباب العرب يفكرون بالهجرة إلى بلد آخر بشكل جدي، بينما قال 32٪ إنهم لا يفكرون بالهجرة من بلدهم، و25٪ قالوا إنهم لا يفكرون بالهجرة حالياً، ولكن احتمالية الفكرة ممكنة في المستقبل, واذا كانت أكثرية من الشباب العربي تتطلع إلى دبي كنموذج للعيش، فإن شباب دول الخليج العربي يرغب بعضهم أيضا في الهجرة، وإن كانوا بنسب قليلة (13%).

الخلاصة، تمر الأرقام عابرة في العالم العربي، أو في معظمه، ولا يتوقف عندها المسؤولون، حتى لا نقول المخططون للسياسات العامة، إذ أن معظم دول هذا العالم تفتقد إلى السياسات العامة، ويتذرع القيمون عليها بأن أسباب الهجرة اقتصادية فقط، من دون التطرق إلى ملفات أخرى جاذبة للعيش، أولها توفير الخدمات الضرورية وبالمستوى اللائق، بما يحقق الامن الاجتماعي، وثانيها الحريات على أنواعها، من حرية التعبير إلى حرية المعتقد وحرية العمل السياسي، وما إليها. بالنتيجة، الهجرة تنزع من العالم العربي روحه، ونبضه، ومستقبلة وأي أمل في الحياة الكريمة التي فقدها بدون إنذار في وطنة وسلبت منه عنوة.

زر الذهاب إلى الأعلى