حرف تقليدية عريقة بتنغير تواجه ضعف التسويق وقلة المواد الأولية

يعتبر قطاع الصناعة التقليدية بإقليم تنغير من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، التي تلعب دورا هاما في التنمية المحلية اقتصاديا واجتماعيا، حيث يضم عدة أنشطة حرفية، منها ما يندرج في الصنف الخدماتي، ومنها ما ينحصر في الصنف الإنتاجي الفني، وكلاهما يتميز بمقومات الأصالة والإبداع والمحافظة على التراث والتميز.

الصناعة التقليدية كانت تمثل حاجة ماسة للمجتمع نظرا لعدم وجود الأدوات المنزلية الضرورية قديما، لكنها الآن أصبحت على حافة الاندثار بسبب الإهمال، بالرغم من أن هذه المهنة كانت تحقق لصناعها ربحا، وتغطي تكاليف الأسر في الحياة المعيشية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1608049251753-0’); });

ولم يخف عدد من الصناع التقليديين بإقليم تنغير أن الحرف التقليدية استطاعت أن تقاوم الزمن والعصرنة، رغم المنافسة التي تفرضها المنتجات العصرية والحديثة، وبالرغم من قلة المواد الأولية المستعملة في هذه الصناعات وغلائها ومواجهة مشاكل التسويق.

صناعات “الرابوز”

ما إن تطأ قدمك مركز مدينة تنغير حتى تقابلك مجموعة من الأوراش الصغيرة، التي يعتكف بها حرفيون تختلف أعمارهم بشكل ملحوظ، منكبين جميعهم على العمل، ويقابلونك بحفاوة وحسن ضيافة، ولا يبخلون عليك بتقديم مجموعة من الشروحات والمعلومات حول حرفهم التي ورثوها أبا عن جد.

صناعة “الرابوز” (المنفاخ) كانت، ولا تزال، من أبرز الحرف التي يحرص عدد كبير من أبناء تودغى على الحفاظ عليها، على اعتبار أنها موروث ثقافي للمنطقة يتعين تثمينه والمحافظة عليه ونقله إلى الأجيال القادمة، خصوصا في ظل وجود العديد من العوامل التي من شأنها التأثير على زوال هذا الفن العريق.

داخل ورشة صغيرة يعكف حسن حطوشي، من أشهر حرفيي “الرابوز” بإقليم تنغير، على صناعة المنفاخ، معتمدا على أدوات تقليدية ضمن وسائل الإنتاج كالمطرقة والسندان والجلد والمنشار والتمر والصباغة وخشب الصنوبر.

وفي هذا الإطار أوضح حطوشي أنه تعلم أسرار هذه المهنة من والده، مشيرا إلى أن الحرفيين في ثمانينيات القرن الماضي كانوا يشتغلون على “الموديلات” القديمة، أي على أشكال بسيطة في صنعها، فيما “الحرفيون الحاليون يبدعون في صنع “الرابوز” بهندسيات مختلفة، عبارة عن مجموعة من العلامات والمربعات والمستطيلات، كل من شاهدها يظن أنها لوحة فنية”.

وأوضح حطوشي، في تصريح لهسبريس، أن قلة المواد الأولية وغلاءها والركود الذي تسببت فيه جائحة “كورونا” جعلت الحرفيين يعانون مشاكل كثيرة، نظرا إلى غياب الزبناء. وأضاف أن على الدولة دعم الحرفيين في هذه الأزمة الخانقة التي يمرون بها، إسوة بعمال القطاع السياحي والقطاعات الأخرى، مشيرا إلى أن هذه الصناعة ستنقرض قريبا إن لم تتدخل الوزارة الوصية لإحيائها عبر خلق أسواق لعرض هذه المنتجات وتوفير المادة الأولية.

صناعة الأواني الخشبية

لا يكاد بيت يخلو من قصعة كسكس خشبية أو ملاعق خشبية أو إناء لشرب الماء مصنوع بالخشب، بالإضافة إلى بعض الأدوات التي يتم توارثها في نطاق العائلة لعقود من الزمن، لأنها أدوات لا تتأثر بعوامل الطبيعة، كما تعبر عن هوية العائلات الحرفية التي تتمسك بمهنة موروثة عن الأجداد.

بدوار آيت مرصيد الواقع بجماعة إكنيون، وبالضبط بالقرب من الطريق المؤدية إلى النقوب بإقليم زاكورة، توجد مجموعة من الورشات المخصصة لصناعة الأواني الخشبية. وتوفر هذه الورشات فرص عمل لبعض الشباب الذين ورثوا هذه الصناعة عن الآباء والأجداد.

يوسف أولحسن، واحد من هؤلاء الصناع التقليديين المتخصصين في صناعة الأواني الخشبية، قال إن هذه الصناعة تتطلب جهدا كبيرا من أجل توفير المادة الأولية المتمثلة في خشب “توالت”، ووقتا طويلا لصناعة هذه الأدوات، مشيرا إلى أن الحرفيين يقطعون مسافات طويلة قد تدوم يومين من أجل الحصول على المادة الأولية في الجبال.

وأضاف أولحسن، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المادة الأولية التي يعتمد عليها في هذه الصناعة على وشك الانقراض، وبالتالي ستختفي هذه الصناعة التي قاومت الزمن، ملتمسا من المسؤولين تقديم يد العون لحرفيي هذه المهنة لتجاوز المشاكل المرتبطة بالمادة الأولية وآليات العمل.

وأوضح المتحدث ذاته أن الزبون بدوره يتهرب من اقتناء هذه الأدوات بحجة غلائها، ناسيا المشاكل التي عاناها الحرفي قبل أن يصنعها ويقدمها له. وأضاف أن هذه الصناعة لم تعد قادرة على توفير لقمة العيش لأصحابها نظرا لعدة أسباب، أهمها غياب المادة الأولية، وغياب مراكز التسوق والتشجيع.

الفخار صناعة

تعتبر حرفة الفخار من أقدم الحرف التي يزاولها سكان قبيلة حارة اليمين ودواري الخطارات وتاصويت. ورغم قدمها لا تزال تنتج بأساليب عتيقة، ولم تعرف بعد انطلاقتها لغزو الأسواق الوطنية والدولية، وينحصر إنتاجها في صناعة بعض الأواني المنزلية المرتبطة بالحاجيات اليومية للمواطنين، ويتوقف استعمالها على المستوى المحلي.

وارتبطت صناعة الفخار، حسب العديد من الحرفيين، بالفن المعماري الأصيل من خلال استعمال القرميد و”الزليج البلدي”، إضافة إلى الأواني المنزلية. وتحتاج هذه الصناعة إلى الحداثة والإبداع والابتكار نظرا لتوفر آليات حديثة دخلت ميدان الخزف من بابه الواسع.

ويتوزع الحرفيون الذين يزاولون الفخار، حسب المعلومات التي وفرتها مصادر رسمية، على الشكل التالي: 27 حرفيا بحارة اليمين، و30 بإكنيون، و10 بتاصويت، منهم 60 معلما و20 متعلما. وتشير المصادر ذاتها إلى أن الفخار بإقليم تنغير يوجد بحارة اليمين بجماعة تودغى السفلى، ودواوير الخطارات وآيت مرصيد وتفريت بجماعة إكنيون، ودوار تاصويت بجماعة الخميس دادس.

وفي هذا الإطار، قال عبد السلام أوميمون، واحد من هؤلاء الحرفيين، إن الفخار يتطلب مجهودات كبيرة. وأضاف أن الإقبال على الأواني الفخارية في السنوات الأخيرة صار ضعيفا بفعل الصناعة الصينية، مشيرا إلى أن الكثير من الحرفيين انسحبوا من هذه الصناعة، مفضلين البحث عن عمل يوفر لهم لقمة عيش.

رأي رسمي

عبد الجبار العوان، نائب رئيس الغرفة الجهوية للصناعة التقليدية بإقليم تنغير، قال إن قطاع الصناعة التقليدية عرف في الآونة الأخيرة تحولا كبيرا على جميع الأصعدة، نظرا لما توليه الحكومة من عناية بالغة للقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية. وأضاف أن قطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني حظي باستراتيجية تنموية تتوافق مع رؤية 2015 مجال التنمية المستدامة، وتراعي كذلك أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وأضاف العوان، في تصريح لهسبريس، أن وكالة الصناعة التقليدية بإقليم تنغير تقوم بمجهود كبير من أجل مساعدة الحرفيين في جميع المناطق التابعة للإقليم، مشيرا إلى أن الإقليم يتوفر على عشرات الحرف التقليدية، وأنه يتم حاليا العمل على تثمينها من خلال التفكير في مشاريع خاصة بهؤلاء الحرفيين لتطوير الصناعات التقليدية وتسهيل تقديمها للزبون.

The post حرف تقليدية عريقة بتنغير تواجه ضعف التسويق وقلة المواد الأولية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى